الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الأول
43469 مشاهدة
13- إثبات صفة العين

[وقوله: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: 48]. وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ [القمر: 13، 14]. وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39].


الشرح
* قوله: (وقوله: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ).
*الآية الأولى: في سورة الطور: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا المعنى أنا نراك، وأنت على مرأى منا، ولا تغيب عن نظرنا فسنحفظك، ففيه إثبات أنه بمرأى من الله، كما في قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46]. يعني: بمرأى ومسمع مني، فأثبت الله لنفسه سمعا يسمع به، وبصرا يبصر به.
وأثبت سبحانه لنفسه الرؤية كما قال تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء: 218]. فهكذا قوله: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا أي: نراك، فأثبت لنفسه العين وجمعها، وقال: بأعيننا لماذا؟ للتعظيم كما تقدم أن الجمع قد يراد به التعظيم، فلما عظم الله ذاته بأن جعل الضمير نا وهو في الأصل للجمع لكنه هنا للتعظيم جمع العين، فقال: بأعيننا فصار الجمع مناسبا؛ فجمع الضمير نا لتعظيم ذاته وجمع الأعين لمناسبة الجمع للجمع.
والمعنى: أنك بمرأى منا ولا تغيب عنا، وليس المراد أنك بداخل أعيننا، وقد جاءت السنة بإثبات عينين لله تعالى يبصر بهما كما في الحديث الصحيح أنه -صلى الله عليه وسلم- إن ربكم ليس بأعور يعني: أن له عينين سليمتين من العور.
* الآية الثانية: في سورة القمر: وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ [القمر: 13، 14].
يعني: أن الله حمل نوحا ومن آمن معه على سفينة من أخشاب ومسامير، وأخبر أن هذه السفينة تعوم على الماء وهي تحت نظر الله وبمرأى منه -جل وعلا- وإذا كان الأمر كذلك، فسيحفظها وسيحرسها وسيكلؤها ومن فيها، وليس المقصود أنها بداخل عينه جل وعلا.
* الآية الثالثة: في سورة طه، وهي قوله تعالى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39]. يخبر سبحانه فيها أنه يحب عبده ونبيه موسى -عليه السلام- محبة خاصة، ولذلك فستتربى على مرأى مني ومرقب، فأحفظك من كل سوء ومكروه.
وليس في قوله تعالى: عَلَى عَيْنِي دليل على أن لله تعالى عينا واحدة، بل المقصود بذلك جنس العين لا عددها، لأنه ورد في السنة ما يفيد أن لله تعالى عينين حقيقيتين تليقان به، وأما عن ورودها في القرآن بصيغة الجمع وبصيغة الإفراد، فليس فيه دليل لأهل التحريف الذين يحرفون معناها إلى الحفظ والرعاية، ولا يثبتون لله صفة البصر وصفة العين؛ لأن ورودها بصيغة الجمع للتعظيم، وورودها لصيغة الإفراد للجنس- يعني: جنس العين لا عددها- وأما الحفظ والرعاية فهو من آثار رؤية الله لعبده ونبيه.
فالحاصل: أن أهل السنة يثبتون لله تعالى عينين حقيقيتين كما يشاء من غير تعطيل ولا تحريف، ومن غير تمثيل ولا تكييف.